Sunday, February 22, 2009

آبادي تدافع عن المعتقلين البهائيين السبعة في ايران؟




شيرين آبادي، القاضية الذي احالتها السلطات الإيرانية الى إدارية بدعوى أنه لا مكان لقاضيات في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي تحولت إلى أحدى أكبر المدافعات عن حقوق المرأة وحقوق الأنسان بشكل عام في إيران، والتي حازث على جائزة نوبل للسلام لعام 2003 لما تقوم به من جهود في الدفاع عن حقوق الإنسان في إيران، توكلت بالدفاع عن حقوق المعتقلين البهائيين السبعة ضد إتهامات الحكومة الإيرانية لهم

ولقد صرحت شيرين آبادي بانه لم يسمح لها بلقاء المعتقلين البهائيين السبعة، وفي هذا إنتهاك صريح لحقهم في محاكمة عادلة وتمثيل قانوني. وقالت بأنه يتم منعها قانونيا من مقابة المعتقلين الذي من المفروض أن تترافع في قضيتهم، فهذا إنتهاك صريح لحقوقهم مما يعطيها الحق برفع القضية أمام القضاء الدولي والرأي العام العالمي. وقالت شيرين أبادي بأن دفاعها عن البهائيين يأتي في إطار حرصها على العدل وحقوق الإنسان في إيران رغم الضغوط المباشرة لإجبارها على التوقف عن عملها بشكل عام ودفاعها عن المضطهدين من قبل السلطة ومنهم النساء والبهائيين بشكل خاص. مع العلم أنها ليست بهائية. وقد شددت الحكومة الإيرانية حديثا الضغوط على شيرين آبادي حيث تم إغلاق منظمتها الحقوقية وصرحت انه وقع تحت يدها مرسوم من المخابرات الإيرانية يحرض على قتلها. وتم أخيرا أغلاق مكتبها وإعتقال سكريترتها بتهمة الانتماء للبهائيين! ولقد تعرض بيتها ومكتبها للتشويه بكتابة تهديدات وشعارات تتهمها بالعمالة لأمريكا والدعارة وما إلى ذلك من بذيء الألفاظ. وتوضح آبادي بأن افراد الشرطة الذين دعتهم للتدخل وحمايتها وحماية ممتلكاتها . وقفوا يتفرجون بينما استمر المخربون في أعمالهم ولم تحاول الشرطة إيقافهم أو حتى تعزيرهم على أفعالهم الشائنة. وتؤكد آبادي أن الإتهامات والضغوط التي تواجهها لن توقفها عن الاستمرار في دفاعها عن حريات الايرانيين وحقوقهم الإنسانية

أضغط هنا لمشاهدة مقابلة مع شيرين آبادي تتطرق فيها للنقاط التي ذكرتها ولأمور أخرى تتعلق بحقوق الأنسان في أيران. المقابلة باللغة الإنجليزية


أن دفاع الناشطة الحقوقية الإيرانية الحاصلة على جائزة نوبل عن المعتقلين البهائيين، دليل على أيمانها بقضيتهم ونفاذ صبرها ضد ما تقوم به السلظة الإيرانية من تعسف وظلم ضدهم. . لقد استمعت لشيرين قبل حوالي سنة من حصولها على جائزة نوبل، حين ألقت محاضرة عامة تلخص فيها نشاطاتها. سألناها وقتها عن قضية البهائيين ودورها بالدفاع عنهم، وكان جوابها، "الأمر يبدو ميؤسا منه. ولكننا سنستمر بالمحاولة!" وما توكلها بالدفاع عن المعتقلين البهائيين سوى إثبات أنها "عند كلمتها" ما زالت تحاول... فلا بد أن دفاعها عنهم نابع من إيمانها بقضيتهم
وشيرين أبادي ليست الإيرانية غير البهائية الوحيدة التي تدعم حق البهائيين في المواطنة والحقوق الإنسانية في وطنهم الذي أثبثوا خلال السنين حبهم له وتفانيهم في خدمته ورفع أمره. فلقد أصدرت جماعة من الأكاديميين، والمؤلفين، والفنانين، والصحفيين، والناشطين الإيرانيين المقيمين في كل أرجاء العالم عريضة إعتذار للبهائيين الإيرانيين عن كل الأعمال اللا إنسانية التي إرتكبتها وترتكبها الجمهورية الإسلامية بحقهم . وفيما يلي مضمون الرسالة مترجم عن الفارسية (ترجمت العريضة لأكثر من إحدى عشر لغة) ويمكن الاطلاع على الترجمات بالضغط هنا
فيما يلي نص العريضة - وصل عدد الذين مضوا العريضة أكثر من 500 شخصا وتقبل توقيعات غير البهائيين فقط وما زالت التوقيعات تقبل على صفحات المدونة. للتعرف على اسماء جميع الموقعين، اضغط هنا

إننا نستحي!

يكفي قرن ونصف من الاضطهاد والسكوت!

باسم الخير والجمال وباسم الإنسانية والحرية

إننا كإيرانيين نشعر بالخجل والحياء مما ارتكب بحق البهائيين منذ قرن ونصف من تاريخ إيران.

إننا نؤمن بأن كل إيراني يستحقّ كافة الحقوق والحريات المنصوص عليها في وثيقة "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، بغضّ النظر عن العرق، واللون، والجنسية، واللغة، والدين، والعقائد السياسية، أو أية عقيدة أخرى، وبصرف النظر عن الجماعة الإثنية، والطبقة الاجتماعية، والثروة، والأصل أو أي وضعية أخرى. بيد أن منذ ظهور الدين البهائي حتى يومنا هذا، لقد يُحرم أتباع هذا الدين من حقوقهم الإنسانية لمجرّد عقائدهم الدينية.

منذ ظهور الدين البابي ومن ثَمَّ الدين البهائي في إيران، لقد قتل آلاف من مواطنينا بسيوف التعصب والخرافة لمجرّد عقائدهم الدينية وذلك طبقاً للوثائق التاريخية والشواهد المعتمدة. وفي مطلع العقود الأولى بعد تأسيس هذا الدين، قتل حوالي عشرين ألفاً من الذين اعتنقوه في مختلف مدن إيران.

إننا نستحي من أنه في هذه الفترة لم يسجّل أيُّ صوت يعترض على هذه الجرائم الوحشية.

إننا نستحي من أن الأصوات المعترضة على هذه الجرائم الشنيعة كانت ومازالت نادرة وصامتة.

إننا نستحي من أنه بالإضافة إلى القمع الشديد للبهائيين في العقود الأولى بعد تأسيس دينهم، فقد شهد مواطنونا هؤلاء في القرن الماضي حملات الاضطهاد الدورية عليهم، التي طَالَهُم من خلالها تحريق بيوتهم وأماكن عملهم وتهديمها، وواجهت حياتهم وأموالهم وعائلاتهم الظلم القاسي. وبالرغم من كل ذلك فقد ظل المثقفون والمفكرون الإيرانيون ساكتين أمام هذه الفاجعة.

إننا نستحي من أنه على طول السنوات الثلاثين الماضية، قُتل أكثر من مئتين بهائيٍ بناءً على قانون سُنَّ لقتل البهائيين بسبب عقائدهم الدينية.

إننا نستحي من أن جماعة من المثقفين برّرت الإكراه والضغط على المجتمع البهائي في إيران.

إننا نستحي من سكوتنا أمام حرمان البهائيين المتقاعدين من حقوقهم لمعاش التقاعد بعد عقود من الخدمة لأجل وطنهم.

إننا نستحي من سكوتنا أمام آلاف من الشباب الإيرانيين الذين حُرموا من إمكانية الدراسات العليا في الجامعات بسبب إيمانهم بدينهم وصدقهم في الاعتراف به.

إننا نستحي من سكوتنا أمام الأطفال البهائيين الذين واجهوا التحقير في المدارس بسبب عقائد آبائهم الدينية.

إننا نستحي من سكوتنا أمام هذا الواقع الأليم في بلدنا الذي فيه يُقمع البهائيون ويحقَّرون بشكل منظم. ويعتقل العديدُ منهم لمجرّد عقائدهم الدينية، ويُهجم على منازلهم وأماكن عملهم وتهدَّم، ويصل الأمر أحياناً إلى انتهاك حرمة مقابرهم أيضاً.

إننا نستحي من سكوتنا أمام هذا السجلّ الطويل الفظيع المحزن في تهميش البهائيين على يد نظامنا الشرعي ومن قبل قوانين حكومتنا. كما نستحي أمام الاضطهاد وانعدام العدالة للمنظمات الرسمية وغير الرسمية نحو هذا المجتمع من مواطنينا.

إننا نستحي من جرائمنا وجورنا وإنا نستحي من سكوتنا أمام أعمالنا.

نحن موقّعو هذه العريضة نستغفركم أيها البهائيون ولاسيّما ضحايا الجنايات من بهائيي إيران.

لن نسكت أبداً بعد اليوم أمام الظلم المرتكب بحقكم.

إننا واقفون جنباً إلى جنب معكم في التوصّل إلى حقوق الإنسان المنصوص عليها في وثيقة "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان".

لنستبدلْ المحبة والوعي بالجهد والضغينة.

٣ شباط / فبراير ٢٠٠٩


- اول الموقّعين: اضغط هنا للتعرف على أسماء جميع الموقعين

١. ابراهیمی، ‌هادی – رئيس التحرير لجريدة شهرگان – کندا، ونکوور
٢. احمدی، رامین – أستاذ في الجامعة وناشط في حقوق الإنسان– أمریکا، یل
٣. الماسی، نسرین – مدیرة التحریر لجريدة شهروند - کندا – تورنتو
٤. باقرپور، خسرو – شاعر وصحفي – ألمانيا
٥. برادران، منیره – كاتبة وناشطة في حقوق الإنسان – ألمانيا
٦. برومند، رویا – مدیرة إجرائية، موسسة برومند – أمریکا، واشنطن
٧. برومند، لادن – باحثة، مؤسسة برومند- أمریکا، واشنطن
٨. بیضایی، نیلوفر –كاتبة ومخرجة مسرحية – ألمانيا، فرانکفورت
٩. پارسا، سهیل – مخرج مسرحي – کندا، تورنتو
١٠. تقی پور، معصومه – ممثلة ومحرجة مسرحية – السويد، كوته بورك
١١. تهوری، محمد – صحفي – أمریکا، ماساجوست
١٢. جاوید، جهانشاه – ناشر – إیرانیان دات کام – المكسيك
١٣. جلالی چیمه، محمد (م سحر) – شاعر – فرنسا، باریس
١٤. جنتی عطایی، بهی - ممثل وكاتب ومخرج مسرحي – فرنسا، باریس
١٥. چوبینه، بهرام – كاتب وباحث – ألمانيا، کلن
١٦. خرسندی، ‌هادی – هاجٍ– إنجلترا، لندن
١٧. دانشور، حمید – ممثل ومخرج مسرحي – فرنسا، باریس
١٨. درویش پور، مهرداد – أستاذ في الجامعة – السويد، استکهلم
١٩. زاهدی، میترا – مخرجة مسرحية– ألمانيا، برلین
٢٠. زرهی، حسن – رئيس التحرير لجريدة شهروند – کندا، تورنتو
٢١. سهیمی، محمد – أستاذ في الجامعة – أمریکا، كاليفورنيا
٢٢. شفیق، شهلا – كاتبة وباحثة– فرنسا، باریس
٢٣. شمیرانی، خسرو – صحفي – کندا، مونتريال
٢٤. شیدا، بهروز – ناقد وباحث أدبي - السويد، استکهلم
٢٥. عبدالعلیان، مرتضی – عضو هيئة إدارة سی.جی.اف.ای – کندا، اکویل
٢٦. عبقری، سیاوش – أستاذ في الجامعة – الولایات المتحدة، أتلانتا
٢٧. عبقری، شهلا – أستاذة في الجامعة – الولایات المتحدة، أتلانتا
٢٨. فانی یزدی، رضا – محلّل سياسي - أمریکا
٢٩. فرهودی، ویدا – شاعرة ومترجمة – فرنسا، باریس
٣٠. فروهر، پرستو – فنانة وناشطة في حقوق الإنسان – ألمانيا، فرانکفورت
٣١. قائمى، هادی – منسّق حملة دولية لحقوق الإنسان في إیران - أمریکا
٣٢. قهرمان، ساسان – كاتب وصحفي - کندا، تورنتو
٣٣. قهرمان، ساقی – شاعر وصحفي - کندا، تورنتو
٣٤. کاخساز، ناصر – باحث ومحلّل سياسي – ألمانيا، بوخوم
٣٥. کسرایی، فرهنگ – كاتب وممثل مسرحي – ألمانيا، ویسبادن
٣٦. کلباسی، شیما – شاعرة – أمریکا، واشنطن
٣٧. ماهباز، عفت – ناشطة في حقوق المرأة وصحفية – إنجلترا ، لندن
٣٨. مساعد، ژیلا – شاعرة وكاتبة – السويد، كوتبورك
٣٩. مشکین قلم، شاهرخ – ممثل ورقاص – فرنسا، باریس
٤٠. مصلی نژاد، عزت – كاتب وناشط في حقوق الإنسان- الجمعية الكندية لضحايا التعذيب– کندا، تورنتو
٤١. ملکوتی، سیروس – عازف وملحّن ومدرّس الغيتار الکلاسیکي – إنجلترا ، لندن
٤٢. وحدتی، سهیلا – ناشطة في حقوق الإنسان – أمریکا، كاليفورنيا


في الواقع هذا الدعم الصريح من قبل العناصر التقدمية الإيرانية من غير البهائيين لقضية البهائيين الإيرانيين، بادرة كريمةتستحق الشكر والتقدير ودليل على وعيهم ونفاذ صبرهم من الممارسات التعسفية التي يخضع لها الشعب الأيراني تحت وطأة سياسات الجمهورية الأيرانية الإسلامية. يبدو أن "الكيل طفح لدى الإيرانيين" الذين يرون الوطن ينزف وافراد الشعب يبتذلون، ويظلمون، ويعانون. فرفع البعض أصواتهم منادين بالإصلاح وحقوق المواطنة للبهائيين وللآخرين. والسؤال هنا: كيف نستمر بدعم قضية البهائيين وحقوق كل المضطهدين وننتقل من حيز الدعم المعنوي الصامت الى تحريك وتفعيل الوعي الجماعي بمثل هذه القضايا؟ وكيف نحفز بعض اصحاب النفود الديني الذين يؤمنون بنفس مباديء حقوق الأنسان والمواطنة في إيران أمثال حجة الأسلام الملا حسين علي منتظري وأخرين من الذين لهم الشرعية في الكلام والفتوى تحت ظروف إيران الحالية، بأن ينقلوا قضية حقوق البهائيين إلى حيز التنفيذ والضغط لوقف الإجراءات التعسفية والإبادة الجماعية ضدهم وإنتهاكات حقوق الانسان الأخرى التي تمارسها الحكومة الإيرانية تحت راية الإسلام والدين والوطن. خاصة وأن "منتظري" نفسه يعرف معنى الإعتقال في سجن أيفين الذي نزل فيه معتقلا خلال فترة حكم الإمبراطور محمد علي رضا في إيران، والذي تحتجز فيه السلطة الإيرانية البهائيين السبعة وغيرهم من سجناء الرأي
وإني أناشد الجميع، كل حسب قدراته، بعمل ما يستطيع لدعم هذه القضية وكل القضايا العادلة التي تسمح لنا جميعا ان نبني لنا وللأجيال القادمة عالما أكثر سلاما ومحبة وعدلا

Friday, February 20, 2009

رسالة سجين رأي بهائي


لم أكتب في هذه المدونة خلال العام الماضي لأسباب عديدة لن أدخل في تفاصيلها الآن، ومع أن اسباب عدم تدويني ما زالت قائمة، إلا أنني لم استطيع ان اقاوم التدوين اليوم حين وصلتني رسالة إبن أحد المساجين البهائيين في إيران والذين أعلنت الحكومة الإيرانية بأنها ستقدمهم للمحاكة قريبا. فكرت بكل مساجين الرأي الذين عرفتهم، وبالخصوص فكرت بصديق حميم لي أمضى بعض الوقت في سجون وطننا العربي متهم بحب الوطن، بدأ يكتب لي من جديد ليقص علي معاناة مضى عليها أكثر من خمسة وعشرين عاما لكنها مازالت محفورة في ذاكرته كالوشم. فكرت بأصدقائي الآخرين الذين دخلولوا السجون لما حملوه من قناعات في آواخر السبعينات وأوائل الثمانينات، فكرت بالأمهات والأخوات والزوجات والحبيبات اللواتي أعرفهن. إمتلئت حتى الغثيان بآلآمهن ومعاناتهن.

فكرت بصديقي الروائي العراقي الكبير محمود سعيد وفترات سجنه في سجون صدام، وما ذكر لي عن تلك الفترة من حياته بالإضافة إلى ما دونه في روايته "أنا الذي رأى" والتي تحملك الى داخل جدران سجون العراق ومعتقلاتها، وتسمح لكل بالتعرف على أفرادها ، تملأ مشامك برائحة البراز والعرق المعتق، تترك في فمك طعم الدم اللزج، وتدفعك لأن تتحسس كتفك ومعصمك ومناطق أخرى من جسدك لتتأكد بان الألم الذي انتابها فجأة ليس إلا من رسم قلمه المبدع.

حين قرأت رسالة إبن السجين البهائي، وكانت رسالته قد وصلتني باللغة الأنجليزية، تبددت فوارق اللغة، وبدت الكلمات مألوفة جدا، تشبه في تراكيبها ما يكتبه لي صديقي العربي عن معاناته، وما كتبه محمود سعيد عن تجربته، وما سطرته أقلام العديد من سجناء الرأي الذين عرفوا أبعاد الألم البشري في زنازين الوطن. بدت كل هذه التجارب متصلة بذلك الحبل الخفي الذي يغذي إنسانيتنا ويحرك أعمق درجات الوعي والشفافية فينا . صارت آلآم البهائي الذي لا أعرفه شخصيا ولكنني انتمي له بالعقيدة والأصل إمتدادا لآلآم اصدقائي العرب الذين انتمي لهم بالميلاد والثقافة. لم تعد الهوية عندي محور نقاش عاطفي وفكري وانما توحدت في دائرة الألم التي تصقل خطوط إنسانيتنا. لذلك قررت أن أدون اليوم. ربما لأتخلص من آلآمهم التي تكاد تخنقني، وربما لأنقلكم معي إلى تجربة الإبن البهائي، لعلها تتصل في زاوية من زواياها بتجربتكم

فإليكم نص خطابه

أود أن أشارككم ببعض الكلمات عن تجربتي الخاصة ومشاعري فيما يتعلق بوضع البهائيين في إيران: عن عائلتي، عن أصدقائي، وعن نفسي. ما سأشارككم به هو مشاعري وأفكاري، والإشكالات التي أواجهها كل يوم، كإيرني، كبهائي، كعضو من أعضاء العائلة البشرية، وكفرد يقبع والده سجينا في أحد أسوء سجون العالم. سجن أفين "زندان اوين" في شمال طهران، على أعلى التلال، بزراديبه القابعة في جوف الأرض، وغرف تعذيبه، المحاطة بأسوار عالية بالغة السُمك.

أتذكر الوقت الذي كنت أعمل في مشروع بناية عالية مما منحني فرصة معاينة السجن عن قُرب. فكلما ارتفعت البناية أكثر وأكثر، صار بإمكاني أن أحضى بمنظر أكثر وضوحا لذلك المكان الرهيب. لهذا ما زلت أتذكر بوضوح الابعاد غير المنتطمة التي ترسم حدود مبنى سجن أفين. هذه الصورة التي ترافقني حين أذهب للنوم، وحين أنهض من النوم في الصباح، أحاول أن أتخيل أبي فيه. أعرف كيف يبدو. قبل ثلاث سنوات، كان والدي في السجن وقت آخر بسبب عقيدته البهائية. عندما حصلنا بعد إنتظار طويل على إجازة بزيارته، لم أستطيع أن أصدق أن الشخص الذي يقف أمامي هو والدي. شاحب، ضعيف، بلحية طويلة، وشعر طويل، في ملابس السجن الفضفاضة. حين أخذوه رأيته يعرج. الأن بامكاني أن أتخيل كيف يبدو، ولكن على أن أضيف إلى تلك اللوحة كل ما أتذكره عن أصدقاءه. علي أن أستعمل مخيلتي مثل برنامج التصوير الألكتروني لأضيف لحا لوجوه أصدقاءه الأربعة المبتسمة. علي أن أجعلهم يبدون أكبر سنا، أكبر بعدة سنوات مقابل كل سنة أمضوها في السجن. علي أن أتخيل عيونهم الفرحة مليئة بالحزن. تعبة من التحقيق المستمر تحت الأضواء الساطعة المركزة. علي أن أتخيل ما يبدو عليه أبي وأصدقاءه اليوم بعد تسعة أشهر من التحقيق المأساوي الذي يلازمه أبشع الالفاظ التي لم تقع على مسامعهم من قبل وأكثرها إهانة. هل تعلمون بأن إتنين من المعتقلين نساء. لا يمكنني أن أتخيل هاتان السيدتان تحت هذه الظروف. هذا ما يسمونه "التعذيب الأبيض". تفقد الكلمات معناها. حين أسمع كلمة "أبيض" لم يعد الثلج يخطر على بالي، أو حمامة السلام. التعذيب هو ما يخطر على بالي هذه الأيام مرافقا لكلمة "أبيض". التعذيب الأبيض يعني كل مشاكل العظام التي يعاني منها والدي من جراء فترة مكوثه في السجن، التعذيب الأبيض يعني ان "وحيد"، أحد أصدقاء والدي الذي يبلغ الخامسة والثلاثين عاما يفقد بصره نتيجة الضغوط التي أدت الى تحطيم أعصاب عينيه. التعذيب الأبيض يعني حرمان أم من قضاء الوقت مع إبنتها المراهقة لشهور عديدة. لدي فقط بعض اللحظات لأخبركم عن أبي وأصدقاءه، ولكن هذا نهج حياة أكبر أقلية غير مسلمة في إيران. هذه حياة أي من ينتمي الى الجامعة البهائية والتي تتألف من أكثر من ثلائمائة ألف نسمة. مجموعة محرومة من كل شيء. محرومة من حقوقها المدنية منذ لحظة الميلاد حتى لحظة الموت. أفرادها محرومون من أن يمنحوا أية أسماء لها دلالة بهائية حين يولدون. محرومون من أن يكون لهم يوما واحدا يسيرا في المدرسة دون ان يشار لهم بالبنان وينحون جانبا، محرمون من التسجيل في المدارس حسب مؤهلاتهم ومواهبهم، محرمون من التعليم العالي، محرمون من شهادات الزواج، محرمون ليس فقط من الوظائف الحكومية ولكن من التوظيف في العديد من المؤسسات الخاصة التي تخضع لضغوطات الحكومة. محرومون من إنشاء تجارتهم الخاصة دون أن تدرج أسمائهم في لائحة حراس الثورة في اللائحة السوداء، محرومون من شواهد القبور ليرتاحوا بسلام دون ان تهز جثثهم في توابيتها مرات عديدة في العام تحت وطئة آلآت حفر الجمهورية الإسلامية. محرومون من انتخاباتهم الإدارية ومؤسساتهم.

كان أبي وأصدقاءه سبعة أعضاء من أعضاء هذه الجامعة من افراد المجتمع العاديين، والممتدة في كل نواحي إيران. كل ما كان مناط اليهم هو لم شمل هذه الجامعة. منحهم الشعور بمجتمع له كرامته وهويته في غياب أية هيئات إدارية تمثل هذه الجماعة والتي حرّمت وجودها قانونا الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وهاهم الآن يتهمون من قبل السلطات بإتهامات مفبركة باطلة. أذكر تسعة أشهر ماضية تلت إقتحام منزل والديّ. كنت أكلم والدتي، واشعر بها ترتجف على الطرف الآخر من الخط بينما كانت تخبرني عن ما دار بينها وبين أحد أفراد المخابرات. كانت تحزم كنزة دافئة لوالدي بينما كانوا يأخذونه بعيدا، لكن المخبر رفض ان يسمح له بأن يأخذ الرزمة قائلا لها: "لن يحتاج الى ملابس بعد اليوم، فقط الأحياء يحتاجون للثياب"! مضى على حادثة سجن والدي تسعة اشهر. مضى أكثر من تسعة أشهر وأنا أعمل على تكوين الصورة في مخيلتي، أتخيل أوضاع أبي. مرة رسمته في الحبس الإنفرادي، ثم في غرف التحقيق. حاولت أن أتخيله جالسا على كرسي خشبي لأكثر من عشرين ساعة يواجة إثنين من محققي المخابرات يعمي بصيرتهم التعصب الديني الأعمى. نقلت والدي في لوحتي من الحبس الإنفرادي الى الصالة العامة، ثم أعدته الى زنزانة صغيرة بلا سرير، دون أغطية كافية، ينام على أرض الإسمنت البارد مع اصدقاءه الأربعة في شتاء طهران القارص. والآن أعمل في زواية أخرى من هذه اللوحة الذهنية الشاسعة. أرسم محكمة، لكنني لا أرى محام. من الراجح أنه لن يكون بامكانهم الاتصال بمحاميهم. هل علي أن أرسم أبي وأصدقاءه عائدين إلى السجن بعد المحاكمة؟ هل لي أن أنقله مرة أخرى بين جدران سجن إيفن في رسوماتي الخيالية ؟ من الحبس الإنفرادي، إلى غرف التحقيق، الى مقاعد التعذيب، الى زنزانات أكبر مع أصدقاءه.

حين أنظر بإمعان إلى هذه الصورة المؤلمة، أرى هناك جزء آخر من هذا السجن بأعمدة من الخشب او الحديد، ومخارج حديدية، وأدوات رفع تدار باليد، وآلات رفع، وحبال مشنقة. يرفض عقلي أن يسمح لي بأن أنقل أبي واصدقاءه الى تلك الزاوية من السجن.

كتبها إبن أحد السجناء البهائيين بتاريخ 18 مايو 2008