قام الأستاذ
أحمد زكي عثمان، الباحث بـ
مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بإعداد بحث مفصل يحلل فيه العديد من الجوانب المتعلقة بقضية البهائيين المصريين، نشرها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بتأريخ 16 يناير 2007 تحت عنوان
قضية البهائيين محنة للمواطنة وحرية المعتقد في مصر. إن تحليل الأستاذ عتمان يقدم للقارئ ملخص قانونيا لقضية البهائيين المصريين ونظرة تحليلية لبعض الأبعاد الأساسية للقضية. و يطرح الأستاذ عثمان من خلال تحليله للقضية شرحا لتداخل عدد من العوامل الاجتماعية والسياسية في تحديد نتائج حكم المحكمة الإدارية العليا بحق البهائيين في تدوين ديانتهم في البطاقة الشخصية. وتطّرق البحث أيضا إلى تأثير قضية البهائيين المصريين على تصعيد النقاش حول بنية المعتقدات ومشروعية الدور الذي قامت به بعض الجهات في تقرير وتحديد حثيات الحكم الذي أصدره القضاء المصري بحق البهائيين. ونوه التقرير الى تأثير مثل هذه الممارسات على نطاق ومستقبل ممارسة حرية المعتقد في المجتمع المصري بشكل عام. وفيما يلي
النص الكامل للتقريرفي 28 نوفمبر من عام 2002، قدمت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، ملاحظاتها الختامية على تقريرى حكومة جمهورية مصر العربية الثالث والرابع، حيث أشارت اللجنة إلى موضوعات تمس اهتمامها، و منها الممارسات التى تمثل خرقا للمادة (18) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، ومن أمثلتها التضييق على حرية إقامة الشعائر للطائفة البهائية(1). وكان رد الحكومة المصرية (الذي تم تضمينه فى التقريرين الثالث والرابع) أسيرا لمنطق معالجة الحرج السياسي الذي سببته ملاحظات اللجنة حول التقرير الثاني للحكومة المصرية، إلى جانب حساسية الحكومة من اتخاذ أي تعهدات من شأنها غلق الباب أمام أى ممارسات تعسفية للسلطة التنفيذية، فيما يتعلق بالأوضاع العامة لممارسة حرية المعتقد في مصر. لكن من المهم الإشارة إلى أن الحكومة المصرية في ردها الرسمي ادعت أنها لم تتعرض لحرية العقيدة البهائية، ولم تقيد من حرية اعتناقها، وأن كل ما حدث هو تطبيق لنصوص القانون 263 لسنة 1960(2) بشأن حل المحافل البهائية؛ وذلك لأنها تخالف النظام العام
قنن هذا التعليق ظهور مسوغ "النظام العام" لكي يتصدر قائمة المسوغات الحكومية للتضييق على الطائفة البهائية. وهى المسوغات التي ظهرت في السنتين الأخيرتين واللتين شهدتا حالة من تدافع النقاش العام حول قضية البهائية، وحدود الممارسات الخاصة بحرية المعتقد، واشتباك هذا النقاش مع وضعية الحريات الدينية للطوائف الأخرى فى مصر. جاءت حالة التدافع هذه إثر تداول المحاكم المصرية إحدى القضايا المتكررة الخاصة بتنظيم بعض الإجراءات القانونية واللائحية لأفراد الطائفة البهائية –وليس بحرية إقامة الشعائر- الخاصة بتسجيل كلمة (بهائي أو أخرى) في الخانة المخصصة للديانة في الأوراق الرسمية (جوازات السفر، شهادات الميلاد، بطاقات الرقم القومي). وفى هذا الإطار جاءت الدعوى القضائية رقم 24044لسنه 85 ق لتحمل حكما قضائيا أوليا بأحقية أفراد الطائفية البهائية بتسجيل كلمة بهائي في خانة الديانة(3)، وحملت حيثيات هذا الحكم تطابقا واضحا مع حكم آخر للمحكمة الإدارية العليا صدر في عام 1983(4) في قضية شبيهة بتلك التي تم تقديمها للمحكمة في 2004
تكشف قضية 1983 عن طبيعة الملامح العامة المميزة للأطر القانونية والفقهية التي تمس أوضاع الطائفة البهائية في مصر. ملخص هذه القضية أن السجل المدني في مدينه الإسكندرية امتنع عن استخراج بطاقة شخصية لطالب جامعي (يدين بالبهائية) مما أفضى إلى فصل الطالب من كليته (بسبب عدم قدرته على تأجيل تأدية خدمته العسكرية؛ وذلك بسبب عدم تمكنه من استخراج على بطاقة شخصية). عقب قرار الفصل قام ولى أمر الطالب برفع قضية أمام محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية في 8 ديسمبر 1976 وذلك لإلغاء امتناع الموظفين في سجل مدني المنتزه بمدينة الإسكندرية من استخراج بطاقة شخصية كاملة البيانات لابنه
بعد ثلاث سنوات من تاريخ رفع القضية جاء حكم محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية في 16مايو 1979 (الدعوي 84 لسنة 31 ق) برفض الدعوى. واستندت المحكمة في حيثيات رفضها للدعوي علي أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع؛ ومن ثم يتعين النظر إلي أحكام الدستور الأخرى المتعلقة بحرية العقيدة وعدم التفرقة بين المواطنين بسبب الدين أو العقيدة في "حدود ما يسمح به الإسلام وعلى نحو لا يتعارض مع مبادئه أو يتنافي مع أحكامه"، لكن المحكمة لم توضح بالتحديد ما هي الحدود التي يسمح بها الإسلام، هذا إلى جانب أن المحكمة قد خرجت عن وظيفتها الأصلية الخاصة "بالفصل في المنازعات"، لكي تمارس وظيفة أخرى وهى محاكمة المعتقد ذاته (وهو الأمر الذي يمكن أن يتكرر لاحقا سواء في محاكمة دين سماوي أو غيره). وأوردت حيثيات الحكم مثلا أن "البهائية تتناقض مع الأديان السماوية"، وبناء عليه أقرت المحكمة أن قرار امتناع السجل المدني عن استخراج البطاقة هو "قرار صحيح سليم" وأن قرار شطب الطالب من كليته "يكون قائما علي سبب يبرره ، ويتعين رفض طلب إلغائه".
لكن وبعد أربع سنوات من هذا الحكم الغريب جاء حكم المحكمة الإدارية العليا في 29 يناير 1983 (أي بعد حوالي 7 سنوات كاملة من حادثة رفض السجل المدني)، في الطعن المقدم على حكم محكمة القضاء الإداري، أسيرا للتناقض بين إتاحة الحد الأقصي لممارسة الحق من ناحية، والتقييد غير المبرر من ناحية أخري. فقد حكمت المحكمة الإدارية العليا برفضها للحكم النشاز الخاص بمحكمة القضاء الإداري بالإسكندرية، وكان من الحيثيات الفريدة التي أوردها الحكم أن المحافل البهائية التي تم حلها في القانون 263 لسنة 1960 هي عبارة عن هيئات إدارية تختلف عن "نشاط البهائيين"، خصوصا وأن المشرع لم يتعرض للعقيدة "فحرمتها مكفولة"، كما أكدت المحكمة علي أن " دار الإسلام قد وسِعتْ غير المسلمين علي اختلاف ما يدينون، يَحْيَوْنَ فيها كسائر الناس بغير أن يكره أحد منهم علي أن يغير شيئا مما يؤمن به" لكن وللأسف الشديد ربطت المحكمة هذا التفسير المعتدل بشرط أن ما يظهر من شعائر الأديان يكون معترفا به في "حكومة الإسلام "، وقصرت المحكمة حق إظهار هذه الشعائر طبقا لـ " أعراف المسلمين بمصر على أهل الكتاب من اليهود والنصارى وحدهم". وسلكت المحكمة مسلكا خطيرا من خلال ضرورة كتابة البهائية في خانة الديانة ليس لأن هذا حق واجب النفاذ ولكن "حتى تعرف حال صاحبه ولا يقع له من المراكز القانونية ما لا تتيحه له تلك العقيدة بين جماعة المسلمين".
هذا الحكم وعلى الرغم من أنه لا يستجيب لمطالب الأفراد فيما يتعلق بإتاحة الحد الأقصى فى حرية قيام الشعائر الدينية، كما أنه يتضمن تمييزا على أساس الدين، فإنه يمثل نقله مهمة في الجدل القانوني حول وضع الطائفة البهائية في مصر. حيث تم الاستناد بهذا الحكم في الدعوى القضائية رقم 24044 لسنة 85 قضائية، والتي حكمت فيها محكمة القضاء الإداري بتاريخ الرابع من أبريل لعام 2006 بأحقية أفراد الطائفة البهائية في تسجيل كلمة بهائي في خانة الديانة
تميز حكم الرابع من أبريل عن غيره من الأحكام، بظهور ردود أفعال عنيفة للغاية، سواء من خلال الصحف القومية أو بعض الصحف الحزبية، ولكن رد الفعل الأهم في سياق بلورة المواقف الرافضة للحكم كان بعد حوالي شهر من تاريخ صدور حكم المحكمة وبالتحديد فى الثالث من مايو، عندما قرر رئيس مجلس الشعب(5) فتح باب المناقشة في موضوع لم يكن مدرجا في جدول الأعمال، وهو موضوع الحكم القضائي الصادر من محكمة القضاء الإداري بتاريخ الرابع من أبريل سنه 2006 والذي قضى بضرورة أن تقوم مصلحة السجل المدني (التابعة لوزارة الداخلية) بكتابة كلمة بهائي أمام خانة الديانة فى الأوراق الرسمية. حيث استعرض مجلس الشعب طلبات الإحاطة السبعة التي قدمها سبعة أعضاء هم أحمد شوبير، صبحي صالح، أكرم الشاعر،على لبن، السيد عسكر، زكريا يونس، محمد عامر حلمى. وتم تقديم طلبات الإحاطة إلى وزير الأوقاف، أي لوزير ليس له علاقة بالقضية (القضية تتعلق بالسجل المدني والذي هو تحت السلطة الإدارية لوزير الداخلية
لا تكمن المشكلة فقط في اختيار خاطئ لشخص الوزير المسئول ولكن مكمن الخطورة في أن نص كلام مقدمي طلبات الإحاطة اعتمد على درجة غريبة من هشاشة المعلومات وضبابيتها. واكتفى بعضهم بتأليب الحكومة على "البهائيين" ،طالب صبحي موسى "الحكومة ممثلة في وزارة الأوقاف والأزهر والوزارات المختصة والمعنية أن تتقدم بطعن وتتدخل في الدعوى وتقدم ما يثبت أن الفرقة البهائية، فرقة كافرة مرتدة بإجماع الأمة، ويجب أن تجرم أو يصدر تشريع يجرم هذا الفكر ويجرم هذه الجماعة حتى لا يفتح باب فساد في عقائد وأفكار ومعتقدات وأخلاق الناس خاصة أن هذه الفرقة الضالة تقوم على مبادئ مخلة بالآداب وبالأخلاق وبالعقائد والأفكار ومن شأنها تدمير النظام العام والآداب العامة في المجتمع". وهو ما يعنى أن العضو قد اختزل وظائف مؤسسات الدولة، والمفترض فيها أن تكون حيادية في ممارستها لوظائفها، إلى مؤسسات مهمتها محاكمة المعتقدات الخاصة بالأفراد. ساهم هذا الموقف المتزمت لمجلس الشعب في خلق حالة تأزم شديدة فيما يتعلق بطبيعة وظائف أجهزة النظام السياسي في التضييق على الحريات الخاصة بالمواطنين، وهو التأزم الذي عزز من موقف وزارة الداخلية فى طعنها ضد حكم محكمة القضاء الإداري
حتى جاء 16 من ديسمبر لعام 2006 ، ليحمل حكما "صادما"من قبل المحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار "السيد نوفل" رئيس مجلس الدولة. مبعث الصدمة أن الحكم القضائي قد عقد مناظرة ما بين تعاليم البهائية وبين تعاليم الإسلام ، وتحولت الحيثيات فى أجزاء منها إلى توصيفات تسخر من الديانة البهائية، هذا ناهيك عن فساد الاستدلال المتعلق بمضامين بعض القوانين، وبعض أحكام المؤسسات القضائية مثل حكم المحكمة العليا فى جلستها بتاريخ 1 مارس 1975(6). و أخيرا أشارت الحيثيات إلى أن مضمون تفسير المادة 46 من دستور 1971 الخاصة بحرية إقامة الشعائر ينصرف إلى أتباع الديانات السماوية الثلاث فقط، وهو ما يناقض القضية المنظورة. حيث إن القضية لم تكن تتعلق كلية بحرية إقامة الشعائر ولكنها كانت بمثابة البحث عن مخرج في أزمة امتناع وزارة الداخلية المصرية عن إصدار المستندات الرسمية الخاصة ببعض أفراد الطائفة البهائية.فضلا عن أن المحكمة قد نحت منحى غريب من الناحية القانونية عندما فسرت النصوص الخاصة بحرية العقيدة فى الدساتير المصرية (بداية من دستور 1923) من خلال الأعمال التحضيرية لهذا الدستور على أنها تعنى أتباع الديانات السماوية الثلاث. وهو الأمر الذي لا نجد له سندا تاريخيا خصوصا وأن المشرع المصري لم يقم إطلاقا بإحصاء عدد الأديان والمعتقدات المسموح بها فى البلاد، وهو الأمر الذي دفع مجلس النواب والشيوخ إلى إصدار القانون 15 لسنة 1927 بتنظيم سلطة الملك بما يختص بالمعاهد الدينية والمسائل الخاصة بالأديان المسموح بها(7). وهذا القانون يعنى بوضوح أن "الأديان المسموح بها"، والمسائل التنظيمية الخاصة بهذه الأديان كانت بمثابة أمور إجرائية تخضع قانونيا لسلطة الملك والتي يستعملها رئيس الوزراء (حسب المادة 1 ،3 من القانون15/1927
حكم المحكمة الإدارية: مدخل إلى مزيد من التناقضات القانونيةيمثل هذا الحكم الأخير تهديدا واضحا للركائز المدنية للدولة المصرية ، ويخضع ممارسة الحريات العامة إلى جملة من القيود ، وهو ما سيفرز لاحقا أزمة (ليس فقط في فعالية أداء مؤسسات الدولة) ولكن أزمة في تسيير الإجراءات العامة في الدولة، فعلى سبيل المثال وبناء على حكم المحكمة الإدارية العليا في ديسمبر 2006 ، فإن الدولة لا تعترف سوى بديانات ثلاث ، وهو ما يتناقض جملة وتفصيلا مع البنية القانونية المنظمة للتجنس بالجنسية المصرية ، خصوصا أن الجنسية المصرية محكومة منذ صدور أول قانون لتنظيم الجنسية فى العشرينيات من القرن العشرين(8) بمساحة شبه مدنية،حيث لم يرد شرط اعتناق أحد الأديان السماوية كشرط من شروط اكتساب الجنسية، وهو التقليد القانوني الذي سار عليه القانون الحالي المنظم للجنسية المصري (القانون 26/1975) من خلال المادة 11 منه.(9) وهو ما يعنى أنه يمكن لأي فرد من أتباع أي معتقد أو دين (غير سماوي) وتنطبق عليه شروط المادة 11 من القانون 26/1975 ، أن يحصل على الجنسية المصرية ومن ثم فإنه ملزم حسب أحكام القانون 143لسنة 1994 بأن يستخرج مجموعة من المستندات الموضح فيها ديانته. هنا سيظهر المأزق الذي يحيط بمؤسسات الدولة ،حيث إنه وفقا لحكم المحكمة الإدارية العليا (لسنة 2006) فإن تسجيل أي ديانات أخرى (غير الديانات السماوية الثلاث) يمثل مخالفة للقانون، وفى حالة امتناع السجل المدني عن تسجيل ديانات أخرى، فسوف تترتب عليه مخالفة واضحة لنص المادة(40) من دستور 1971 والتي تنص على عدم التمييز بين المواطنين بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة
نحو تجاوز النقاش حول بنية المعتقداتفي الأزمة حول قضية البهائية هناك حالة توافق بين السلطات الثلاث فى الدولة على أن البهائية ليست من الإسلام ، وهو الأمر الذي يعتبر خارج نطاق القضية تماما، ويمثل من ناحية أخرى الابتعاد عن وظائف الدولة المدنية القائمة على "التشريع"، لصالح خلق أبنية لدولة دينية عمادها "الفتوى". خصوصا وأن معظم الفتاوى المتعلقة بالبهائية تركز على أن البهائية ما هي إلا ارتداد على الإسلام (على سبيل المثال فتوى مفتى الديار المصرية الشيخ عبد المجيد سليم في عام 1939، وفتوى للشيخ جاد الحق علي جاد الحق عام 1981)(10). وهو ما يثير مشكلة بالغة الخطورة وهى المتعلقة بدور منظومة الفتوى في التأثير على صنع القواعد القانونية وإقرارها والتقاضي حولها في النظام السياسي المصري، خصوصا أن هذه الفتاوى تحمل في بنيتها إنكارا لدولة المواطنة، وللركائز المدنية للدولة المصرية. من ناحية أخرى يتزايد نمط التوظيف السياسي لهذه الفتاوى في ممارسات الدولة ضد الطائفة البهائية؛ وهو ما يرجح كفه الخطابات السياسية والمجتمعية التي تعتمد على محاكمة المعتقدات، إلا أنه من المهم الإشارة إلى الدور السياسي المختلف الذي لعبته بعض الفعاليات الاجتماعية والسياسية والإعلامية المختلفة من خلال تحركاتها الرامية إلى تخفيف حدة الاستقطاب الديني للقضية. فعلى الرغم من احتدام المناخ العام إجمالا بالظهور المكثف للأزمات المرتبطة بالدين (الحجاب، قضايا المسيحيين)، إلا أن اهتمام الصحف المستقلة بقضية البهائية قد أضاف فرصة جديدة لقرءاه قضية البهائيين من خلال زوايا أخرى تركز على الحقوق وليس طبيعة المعتقد. وكان اهتمام المدونين المصريين بهذه الظاهرة فرصة لطرح القضية كموضوع للنقاش السياسي على صفحات المدونات والتي كانت بمثابة منبر مفتوح لتبادل الآراء والمواقف، كما قام المدونون بمحاولة خلق شبكة غير رسمية من المدافعين عن حق الطائفة البهائية فى تسجيل ديانتهم فى الأوراق الرسمية (مثال التظاهرة الرمزية يوم النطق بالحكم). وأخيرا مهد اهتمام بعض المنظمات الحقوقية(نموذج المبادرة المصرية للحقوق الشخصية) إلى الدفع بشكل مختلف للتعاطي مع القضية، وتقديم منظور مختلف حول حرية المعتقد يَجُبُّ ما عداه من مبررات أمنية وفقهية. كما ساهمت هذه المنظمات في تقديم خبراتها القانونية وتركيزها على جوهر التزامات الدولة المصرية بالاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي قامت بالتصديق عليها
ويبقى في النهاية الإشارة إلى أن حكم المحكمة الإدارية العليا قد خلق مأزقاً جديداً للحكومة المصرية وهو المتمثل فى وجود مواطنين بلا أوراق رسمية، وهو ما يفتح الباب إلى تكرار ظهور قضايا أخرى من هذا النوع بلا نهاية، ناهيك عن طبيعة الدور الذي يمكن أن يظهر مستقبلا من خلال تبنى الآليات الدولية والإقليمية كوسائل للضغط على الحكومة المصرية من أجل أن تمنع ممارساتها التمييزية الخاصة بحرية الدين والمعتقد
اضغط هنا لمراجعة هوامش المقالة
ولقد ُنشر للاستاذ أحمد زكي عثمان مقالة أخرى في جريدة القاهرة بتاريخ 16 ينايربعنوان
لماذا لا تتسع دار الأسلام للبهائيين وتعترف بحقهم في أن يؤمنوا بما إستقر في قلوبهم؟ شرح فيها بعض النواحي التي أدرجها في البحث الذي نشره
مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان وعالج أيضا فكرة الوطنية المصرية التي ذكرها
جمال حمدان في كتابه
"شخصية مصر" والتي رفض فيها كون مصر بلاد المتناقضات . ويسهب الأستاذ
أحمد عثمان بايضاح سبب عدم اتفاقه مع ما يطرحه
جمال حمدان مبينا على سبيل المثال المتناقضات في معالجة السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية لقضية البهائيين المصريين. ويحذر الأستاذ عثمان من الاحتمالات المستقبلية التي قد تخلقها مثل هذه السياسة من ممارسات قمعية مماثله تجاه جماعات مصرية أخرى قد تختلف السلطات أو الجهات المعنية معها في العقيدة والقناعات. ويعرض المقال بعض المشاكل التي قد تواجه مصر على الساحة المحلية و العالمية نتيجة مثل هذه الممارسات ويبين أن هذه لم تكن حال مصر دائما مستشهدا بموقف الاستاذ
محمد عبده في تعامله مع قضية البهائيين ومقارنا تقبله للتنوع واحترامه لنقاط القوة في عقائد الأخرين وتقديرة للمزايا الحسنة لقياداتهم بدل اللجوء الى التكفير والتخوين والسخرية من معتقداتهم، بما قام ويقوم به بعض أعضاء مجلس النوات المصري وشيوخها الحاليين. ويتطرق الأستاذ عثمان في مقاله إلى الإدعاءات الباطلة التي لا تتوانى المصادر المعادية للبهائية عن نشرها والتي قامت السلطة القضائية متمثلة بالمحكمة الإدارية العليا بتبنيها بدون التأكد من صحتها. ويشرح الأستاذ عثمان ما يحدت في مصر اليوم من خلال مفهوم جغرافية الأمور التي يستند اليها
"جمال حمدان" مبينا أن جغرافية قضية البهائيين المصريين لا تجمع بين اطراف متعددة متناسقة وإنما هي ببساطة جغرافية قضية "مساحة الأوهام [فيها] تتعدى مساحة الحقائق". فأية محاولة لتفسير قضية البهائيين المصريين وحقهم في تدوين ديانتهم في البطاقة الشخصية يصطدم اليوم بالمعارضة التي ترفض التعامل مع الواقع الملموس وتفضل أن تخلق الاوهام ضد البهائيين المصريين وتحارب هذه الوهام لتحمي احاديتها ورفضها للتعددية وتقبل الآخر. ويختم الأستاذ عثمان مقالة بالتسائل:
لماذا هذا الكبر؟ ولماذا رفض السماح للناس بالتصريح بالإيمان بما في قلوبهم؟ ولملذا لا تتسع دار الإسلام لجميع الناس؟
وأنا أرى ما يراه الأستاذ أحمد زكي عثمان بأن الحلم الذي سيسحق كل المتناقضات هو الحلم بمصر التي يحيا المصريون جميعا فيها وهم يتمتعون بالكرامة والحقوق والحريات. وأؤكد أن تفاؤلي هذا ليس مبنيا على أوهام وأماني وإنما يستند إلى ما أراه وأسمعه وأقرأه اليوم خلال سطور مقالات يكتبها أحمد عثمان وغيره من المصريين، ومواقف اتخذها أبناء مصر من خلال مدونتاهم ومواقفهم التي تعدت إطارات التنظير إلى واقع عملي صار فيه القلم وشاشة الكومبيوتر ودرجات محكمة العدل العليا شواهد على إرادة شعب يرغب في التغير وتحقيق الحلم بحياة كريمة لجميع المصريين. وفي الحقيقة هذا الواقع عاش في قلوب المصريين قبل أن تصّعده قضية البهائيين فما أوضحه في نغمات الشيخ إمام وأذهان أغلبية الناس الطيبين. اضغط هنا لقراءة النص الكامل لمقالة الأستاذ أحمد زكي عثمان