نشرت مجلة الأزهر الأسبوعية بتاريخ الاثنين 12 رمضان الموافق 5 مارس 1928 مقالا في عددها الخامس من السنة الأولى تعرض فيه البهائية وما دعى اليه مؤسسها بهاء الله، ومن بعده إبنه الأرشد عيد البهاء. وفيما يلي نص تلك المفالة
البهائية، مذهب من المذاهب التي استخدمها شعور بعض الناس بحاجة العالم إلى السلام والوئام، ليعيش في إخاء وسكينة، بعيدا عن مطاحنات الحرب ومنازعات السياسة والدين، تلك الأمور التي ولدتها في النفوس الأطماع والتعصب، والتي كانت وما زالت علة شقاء العالم وبلائه
يدعو هذا المذهب إلى تطهير النفس من هذه الأطماع وهذا التعصب، والى التعصب والوحدة العالمية. ظهر هذا المذهب في إيران سنة 1280 هجرية على يد رجل يقال له بهاء الله. . الذي قد تعرض من وراء مذهبه هذا، للعنت والاضطهاد، كما هو شأن كل من نادى بمذهب جديد، ولكنه بم يهن ولم يضعف واستمر على نشر الدعاية لمذهبه، إلى أن وافته منيته سنة 1309 هجرية
قام على أثره ولده عباس عبد البهاء الذي نشرنا صورته على غلاف هذا العدد..والذي جاب الأقطار والأمصار لنشر مذهبه، فسافر إلى أوريا وأمريكا كما حضر إلى مصر عام 1331 هجرية. ولكي تعرف شيئا من مبادئ هذا المذهب نعرض عليك بعض خطب عبد البهاء هذا، تلك التي كان يلقيها في المجتمعات الأوربية والأمريكية التي كانت تكتظ بالأدباء والفلاسفة. قال يخاطب المجتمعين: "هلموا إلي، أرشدكم إلى الصراط المستقيم، وأهديكم إلى السبيل السوي، هذا وقت الدخول في حظيرة القدس. طهروا قلوبكم واعملوا على رفع غشاوة الجهل والتعصب والتقليد والأوهام من على أبصاركم حتى تروا نفحات الله تهب معطرة على كافة الأنحاء والأرجاء. وتعالوا بنا نتعاون على إزالة سوء التفاهم من بيننا بتأسيس لغة عمومية، حتى يصبح كل فرد منا قابضا على لغبين، لغته الأصلية واللغة العمومية...ضعوا أيديكم في يدي لنعمل على إيجاد محكمة تحكيم دولية حتى يسهل فض كل خلاف بقوة القضاء العادل بين الحكومات كما هو حاصل بين الأفراد، تحقن الدماء وتصان الإنسانية من الخراب الدمار الذي يصيبها من جراء الحرب، والتحكم إلى السيف والسنان. تعالوا بنا نرفع راية السلام العام ونؤسس الصلح الأكبر. تعالوا بنا نحل معضلة العالم الاقتصادية، ونعمل على هناءة الضعفاء من إخواننا في الإنسانية. حضوا الآباء والأمهات على تربية أبنائهم وبناتهم تربية إسلامية حقيقية." لمزيد من خطب عبد البهاء
هذه بعض مبادئ البهائية، وأنت ترى انه لا غبار عليها. وأنها تدعو إلى الصلح العام كما أنها تدعو إلى المكارم والفضائل. ومن قول عباس أفندي أيضا يحض على المكارم قوله: "لا تسمحوا لأنفسكم أن ينم بكلمة على أحد ولو كان عدوا لكم ، ولتسكتوا من ينم لكم عن عيوب غيركم، وتحلوا بالصدق والوقار، ولتملأ صدوركم بالآمال، كونوا مرهما لكل جرح ، وماء عذبا لكل ظامئ. ومائدة سماوية لكل جوعان، ومرشدا لكل باحث، ونجما في كل أفق، ونورا لكل مشكاة، ومبشرا لكل نفس مشتاقة إلى ملكوت الله". بهذه المبادئ سار المذهب البهائي، وانتشر أصبح له أنصار في كل قطر ومصر وأتباع تعد بالملايين
وقد مات عباس عبد البهاء في 28 ربيع الأول سنة 1340 هجرية وترك وراءه تلك المبادئ السامية والتعاليم الإنسانية التي لو أخذ بها العالم لعاش في سلام ووئام مستمر تحدوه روح التعاون والإخاء
ومع أن المقال يصف الدين البهائي على أنه مذهب من المذاهب وليس دينا مستقلا، ألا أن الأزهر كان عام 1928م منصفا وعادلا في وصفه للمبادئ البهائية وما دعت إليه. ولم يلجأ إلى خلق وترويج الإشاعات الباطلة ضد البهائية تحت شعار حماية الإسلام والحفاظ عليه. فمتى سيجد الأزهر الشجاعة ليقول كلمة الحق من جديد ويمارس الإنصاف الذي مارسه في رمضان عام 1928م عندما نشر نص المقالة المذكورة سابقا؟