اعتقد كما يعتقد العديد بأن القضية البهائية في المجتمعات العربية هي أكبر من حقوق جالية محدودة العدد يمكن أن تستغل ككبش فداء ووسيلة لتشتيت اهتمام أفراد المجتمع عن مشاكله ومتاعبه الحقيقية، وإنما هي امتحان لقدرة مجتمعاتنا على التعايش السلمي في إطار من العدالة التي يحددها القانون وتؤكدها السلطة القضائية وتضمن السلطات الحاكمة تنفيذها دون السماح لأي من القوى المتطرفة أن تؤثر على مجرى الأحداث لخدمة أفكارها ومصالحها الخاصة
ونتجه للإعلام الذي واكب قضية البهائيين المصريين، وردود الفعل من قبل الجماعات الدينية المتطرفة تحت شعار حماية المجتمع والإسلام من خطر ابتدعته هذه الجماعات لتبرر هجومها وتعديها على حقوق البهائيين، نرى ظهور أصوات عربية شجاعة تعالج القضية بموضوعية محاولة الوصول إلى جذور المشكلة وأسبابها الحقيقية
فعلى سبيل المثال، ناقش الأستاذ شهاب فخري، في مقالة له بعنوان البهائية وحيادية القانون نشرت على شبكة الحوار المتمدن الالكترونية (العدد 1560 بتاريخ 24 مايو 2006م) وأعاد نشرها مجتمع ثروة، مدى تأثير المرجعية القيمية على سن القوانين ومدى مصداقية وعدالة القوانين التي تحكمها مثل هذه المرجعية.مؤكدا أن القانون يجب أن يقوم على حقوق الإنسان الأساسية التي نص عليها "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" والتي يجب أن تشكل الجوهر الأخلاقي للقانون في أية دولة ديمقراطية
وأوضح الأستاذ فخري قي سياق نقاشه أهمية كفالة حرية الفرد المتعلقة بالفكر والعقيدة وتشريع القوانين التي تضمن عدم الحد من هذه الحريات أو التفرقة في تطبيقها لان في ذلك خرقا لحيادية القانون. وأكد أن "رفض مطلب البهائيين إثبات ديانتهم في المستندات الشخصية خرق لحيادية القانون وتعبير صريح عن معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية". وناقش بعد ذلك التبرير الـ"قانوني" لهذه التفرقة الواضحة في المعاملة و الحماية القانونية والتي ترتكز على أن حرية الاعتقاد في نظر البعض تنطبق على أصحاب الديانات السماوية الثلاثة فقط مؤكدا أن مثل هذا التبرير غير منطقي استنادا إلى ما يلي
أولا: فكرة الديانات السماوية الثلاثة هي فكرة الإسلام فقط عن ما هو دين سماوي لان المسيحية لا تعترف بالإسلام، ولا تعترف اليهودية بالمسيحية أو الإسلام
ثانيا: "صحة" المعتقدات الدينية لا يمكن الفصل فيها في أي حوار حضاري بناء، لأنها اختيار شخصي وقيمي
ثالثا: أن الحوار بين أفراد ذوي اتجاهات قيمية وعقائدية مختلفة يجب أن لا يكون له أي تأثير على مساحة الحرية التي تشكل حقوق هؤلاء الافراد الإنسانية والتي يجب على القانون حمايتها
وأكد الأستاذ فخري أن "منظور الإسلام أو أي دين آخر عن ما هو دين سماوي، والذي هو من منظور محايد ليس أكثر خطأ أو صحة عن منظور البهائية عن كونها ديناً سماويا، لا يجب إذاً أن يكون له أي صدى من الناحية القانونيةً و الحقوقية". وأضاف أن هناك اختلاف كلي بين الحوار القيمي-العقائدي والقانون وان حفص مكانة ودور كل منهما ضروري في أي مجتمع ديمقراطي
وختم الأستاذ فخري مقالته مؤكدا "أن المشكلة الحقيقية لا تكمن في رفض مطلب البهائيين أن تثبت ديانتهم في أوراق إثبات الشخصية، فهذه إحدى عوارض المشكلة الرئيسية وهي رفض الاعتراف بديانتهم وبهم كمواطنين من الأساس. هذا الرفض يأتي من منطلق تفسير عقائدي للقانون و هو ما يفقد القانون مصداقيته و حياديته. فالقانون إذاً لا يمكن أن يكون إسلامياً أو مسيحياً أو بهائياً إذا أردنا ديمقراطية حقيقية تكفل للإنسان حقوقه المشروعة". المقالة الأصلية
أن وجود مثل هذه الأفكار المنصفة الواعية في مجتمعنا العربي تؤكد على قدرتنا على حل مشاكلنا والتعاون لبناء مجتمعات يسودها الأمن ويتمتع أفرادها بالقدرة على اتخاذ القرار والتعايش السلمي في أطار الحريات التي أقرتها ونادت بها جميع الديانات والمبادئ الإنسانية
فألف شكر للأستاذ شهاب فخري وأمثاله
Tuesday, August 08, 2006
مصداقية القانون
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment